ما هو التحليل الوظيفي (FA) في تحليل السلوك التطبيقي؟

كآباء وممارسين، غالبًا ما نواجه سلوكيات صعبة أو مشكلات سلوكية تتطلب معالجة. وعادةً ما يُجرى تقييم وظيفي للسلوك (FBA) لتحديد وظيفة السلوك. من خلال أدواتٍ كالمقابلات ومقاييس التقييم والملاحظات المباشرة لوضع فرضية حول دافع السلوك (السبب). من خلال هذه الأساليب، يمكننا عادةً التوصل إلى استنتاج حول وظيفة أو هدف السلوك والتدخلات التي يمكننا استخدامها للحد منه.

 ولكن كيف نتأكد من ذلك؟ وماذا لو كانت فرضيتنا خاطئة؟ هنا يأتي دور التحليل الوظيفي Functional analysis.

 ما هو التحليل الوظيفي (FA) في تحليل السلوك التطبيقي؟

التحليل الوظيفي هو أسلوب منهجي ومحوري  يستخدم في علم النفس السلوكي لتحديد العوامل البيئية التي تساهم في سلوكيات معينة وخاصة السلوكيات الإشكالية أو الصعبة. وفهم الأسباب الكامنة من ورائها "لماذا" يحدث السلوك وخاصة السلوكيات الصعبة التي غالبًا ما يتم ملاحظتها لدى الأفراد المصابين بالتوحد والاضطرابات التطورية الأخرى.

كما أنه نوع من التقييم الوظيفي يؤكد الفرضية المتعلقة بوظيفة السلوك الصعب أو السلوك المشكل باختبارها من خلال خلق ظروف تجريبية بإنشاء سيناريوهات مُحكمة يتم التلاعب بالعوامل البيئية للتحقق من:

  1. السوابق (ما يحدث قبل السلوك): اي الأحداث أو الظروف التي تسبق السلوك وهي مثابة مثيرات أو دوافع على سبيل المثال: إذا أظهر الطالب سلوك غير مرغوب فيه خلال حصة الرياضيات دون غيرها من الحصص الاخرى فقد يكون السبب صعوبة في المادة أو عدم تفاعله مع الدرس.
  2.  والسلوك نفسه: أي الذي يشير إلى الفعل أو الاستجابة التي يتم تحليلها ومن المهم تعريفه إجرائيًا بوضوح وموضوعية ، على سبيل المثال بدلًا من قول "الطفل عدواني" من الأدق القول يضرب الطفل الآخرين على أيديهم عندما يطلب منهم مشاركة الألعاب. 
  3. والعواقب (ما يحدث بعد السلوك): وهي الأحداث التي تلبي السلوك وتؤثر على حدوثه مستقبلًا، قد تشمل هذه العواقب جذب الانتباه، أو تجنب طلب، او الحصول على شيء مرغوب. يساعد فهم العواقب على تحديد وظيفة السلوك. 

 مع رصد الاستجابات السلوكية لاختبار الدافع من السلوكيات المستهدفة وما يعززها. واختبار متغيرات مختلفة لاكتساب فهم أعمق لأنماط السلوك، مما يُسهم بشكل مباشر في وضع تدخلات تُلبي الاحتياجات الخاصة للأفراد.

أساس التحليل الوظيفي

كل سلوك له وظيفة مفادها أن جميع السلوكيات تخدم هدفاً ما، سواء كان الحصول على شيء مرغوب فيه، أو تجنب شيء غير سار، أو تلبية حاجة حسية. على سبيل المثال، قد يصاب الطفل بنوبة غضب لجذب الانتباه، أو تجنب مهمة ما، أو توصيل حاجة لم تتم تلبيتها. 

الهدف من التحليل الوظيفي هو الكشف عن هذه الوظيفة من خلال فحص سياق السلوك ومثيراته وعواقبه. وهذا النهج متجذر في مبادئ علاج ABA، الذي يؤكد على العلاقة بين السلوك وبيئته. ويركز في جوهره حول ملاحظة السلوك المعني وجمع البيانات حول متى وأين وتحت أي ظروف يحدث واختبار الفرضيات لضمان التوصل إلى استنتاجات دقيقة حول المثيرات المحتملة والتدخل المناسب.

                      التقييم الوظيفي

كيف يطبق التحليل الوظيفي للسلوك؟

 يقوم الممارس الذي ينفذ إجراء التحليل الوظيفي باختبار الفرضية بشكل مباشر بطريقة تجريبية، بدلاً من انتظار حدوث السلوك بشكل طبيعي بإجراء تغييرات متعمدة وقصيرة المدى ومنهجية على البيئة لتقييم آثار الظروف المختلفة على السلوك (السلوكيات) المستهدفة. ويعمل على تعزيزها لفترة وجيزة. ورغم أن هذا قد يبدو مُقلقًا وغير مُجدٍ، إلا أنه يُتيح لنا تحديد الوظائف (أو النتائج) الأكثر حساسية للسلوك المستهدف بشكل قاطع. وهذا مهمٌّ بشكل خاص عندما يكون السلوك صعب المعالجة. 

 هناك أربع أو خمس حالات  "ظروف" تجرى عادةً كجزء من التقييم ويختبر الممارس ظرفًا واحدًا في كل مرة. كما الأتي:

  1. الظرف الضابط /اللعب الحر:يُسمح للعميل باللعب والانخراط بحرية بالانشطة. حيث يكون السلوك المشكل منخفضًا لأن التعزيز مُتاح بحرية ولا تُفرض عليه أي مطالب أو عواقب مُحددة، هناك دافع ضئيل جدًا للانخراط في السلوكيات المُشكلة. وهذا هو الخط القاعدي أو الضبط التجريبي التي تُقاس عليها جميع الحالات الأخرى.
  2. ظرف الانفراد (لوحده): يُترك الفرد بمفرده دون أي تفاعل اجتماعي أو اهتمام من الآخرين. تُساعد هذه الحالة على تحديد ما إذا كان السلوك يحدث لأسباب غير اجتماعية، بمعنى آخر، من المُرجح حدوث السلوك (مثل رفرفة اليدين أو تكرار الكلمات أو العبارات) عندما يكون الشخص بمفرده. في هذه الحالة، يُترك الفرد عادةً بمفرده لفترة من الوقت لمعرفة ما إذا كان السلوك يستمر في غياب أي شخص آخر. إذا استمر السلوك في غياب أي شخص آخر، فهذا يُشير إلى أنه لا يُشارك في السلوك لأسباب اجتماعية. يُشار إلى هذا أحيانًا باسم "التعزيز التلقائي/الذاتي".
  3. ولكن تُجرى تعديلات على الإجراءات في الحالات التي يكون فيها السلوك خطرًا مُحتملًا على نفسه أو الاخرين، أو إذا لم يكن من المُمكن ترك الفرد بمفرده، يُمكن تطبيق حالة التجاهل حيث يبقى المُعالج في الغرفة، ولكنه لا يتفاعل.
  4. ظرف الاهتمام الاجتماعي (لفت الإنتباه): هذه الحالة، عادةً ما يُحجب الاهتمام (مثلاً، يتظاهرالمُعالج بانشغال) ثم يُقدم الانتباه بعد السلوك المُستهدف عمدًا كاستجابة للسلوك لفترة وجيزة (مثلاً، 20-30ثانية) . قد يكون هذا على شكل توبيخ (مثلاً، "توقف عن فعل هذا!") أو تعليقات مُهدئة (مثلاً، "سيكون كل شيء على ما يُرام").لاختبار ما إذا كان الفرد ينخرط في السلوك لجذب انتباه الآخرين.
  5. ظرف الهروب: يُوضع الفرد في مواقف تتطلب مهامًا محددة، عادةً ما يُعرض نشاط غير مُفضّل (مثل: واجبات مدرسية)، وعند حدوث المشكلة السلوكية تُزال المطالب وتُمنح فترة استراحة (هروب) بعد السلوك المُستهدف لفترة وجيزة (مثل:20-30 ثانية). يسمح هذا للمعالج بتحديد ما إذا كان السلوك يحدث كوسيلة للهروب من هذه المطالب أو تجنبها.
  6. ظرف الحصول على أشياء ملموسة: تُقيّم هذه الحالة سلوك الفرد في كل مرة يحدث السلوك المستهدف، يتم تقديم أو حجب العناصر أو الأنشطة المفضلة، مما يُحدد ما إذا كان السلوك مدفوعًا برغبة في مكافآت ملموسة. في بعض الأحيان يتم دمجه مع  ظرف الإنتباه على أنهما يشكلان "تعزيز الإيجابي".

نُقارن معدل السلوك في الحالات التجريبية بحالة الخط القاعدي أو الظرف الضابط (اللعب).من المتوقع أن تكون معدلات السلوك في أدنى مستوياتها في حالة اللعب/السيطرة نظرًا لعدم وجود دافع واضح للسلوك المُشكل. بتحديد أي ظرف يُنتج أعلى معدل تكرار للسلوك، يُمكننا أن نكون أكثر ثقةً بأن السلوك يُؤدي تلك الوظيفة أو الوظائف.

تُشير الأبحاث إلى أنه لا يوجد ضررٌ مُستدامٌ لفترات تعزيز السلوك المُشكل القصيرة الضرورية في التحليل الوظيفي.

عند إجراء التحليل السلوكي، تُجرى كل حالة من هذه الحالات عادةً من ثلاث إلى خمس مرات على الأقل، وتستغرق كل جلسة من خمس إلى خمس عشرة دقيقة. وعادةً ما تُجرى الجلسات بالتناوب حتى يظهر نمط واضح.

الهدف من التحليل الوظيفي في تحليل السلوك التطبيقي 

تكمن أهمية التحليل الوظيفي في تحليل السلوك التطبيقي (ABA) في منهجه المنهجي في جمع البيانات وتحليلها لتحديد العوامل البيئية المؤثرة على السلوك؛ لفهم السلوك. فمن خلال تحديد وظائف السلوكيات الصعبة:

  1. يمكن للممارسين تصميم تدخلات فعالة تستهدف الأسباب الجذرية بدلاً من مجرد معالجة الأعراض. 
  2. تتيح هذه العملية اتخاذ قرارات أكثر وعياً في تخطيط التدخلات السلوكية، مما يعزز في نهاية المطاف التغييرات السلوكية الإيجابية.
  3. يُعد التحليل الوظيفي بالغ الأهمية في الحالات التي يُؤثر فيها السلوك على التعلم أو السلامة. فهو يُساعد في تحديد استراتيجيات التعزيز الأكثر فعالية، مما يُحسّن النتائج السلوكية العامة في البيئات التعليمية والعلاجية.
  4.  كما يُسهّل فهم الوظائف المحددة للسلوك وضع خطط فردية ناجحة ومستدامة.

 يتم استخدام FA على نطاق واسع في مجالات مختلفة، بما في ذلك علم النفس والتعليم وتحليل السلوك، للمساعدة في معالجة وتعديل السلوكيات الإشكالية أو التخريبية. 

إرشادات لإجراء التحليل الوظيفي في بيئات مختلفة

يتضمن إجراء التحليل الوظيفي (FA) التخطيط الدقيق والنظر في البيئة التي سيحدث فيها. سواء في المدرسة أو المنزل أو البيئة السريرية، تتضمن المبادئ التوجيهية للتنفيذ الفعال لـ FA ما يلي:

  1. تحديد السلوكيات المستهدفة: حدد بوضوح السلوك الذي سيتم تقييمه.
  2. التخطيط التعاوني: إشراك جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك المعلمين وأولياء الأمور والمعالجين، في عملية التخطيط لضمان جمع البيانات الشاملة.
  3. اعتبارات السلامة: وضع خطة سلامة للسلوكيات عالية الخطورة وضمان بيئة آمنة لكل من الممارس والفرد.
  4. ظروف الاختبار:تحديد الظروف التي تتوافق مع الفرضيات السلوكية، بما في ذلك البيئة والمهام المنظمة.

متى نقوم بإجراء  التحليل الوظيفي؟

عندما يُؤثر سلوك الطالب على تعلمه أو تعلم الآخرين، أو يُشكل خطرًا على نفسه أو على الآخرين، أو يُؤدي السلوك إلى إيقاف مؤقت عن الدراسة والتدريب لمدة طالت عن الحد المقبول.

وعادةً، يعتمد استخدام إجراءات التحليل الوظيفي على مستوى مهارة المُمارس، والموارد المُتاحة له، والبيئة نفسها.

من الذي يطبق التحليل  الوظيفي للسلوك؟

يتطلب إجراء التحليل السلوكي خبرةً عاليةً لضمان فعاليته. يجب أن يطبق من قبل أفرادٌ ذو خبرةٍ في استخدام الإجراء (أو تحت إشراف شخصٍ ذي خبرة). 

إذا كنت تعتقد أن التحليل الوظيفي ضروري مع عميل أو طالب أو طفل، فتواصل مع متخصص لطلب التوجيه والإرشاد المطلوب.

وفي النهاية، يتطلب تطبيق التحليل الوظيفي فهمًا قويًا لأسسه النظرية وتطبيقاته العملية، مما يستلزم تدريبًا شاملاً للممارسين. مع استمرار تطور الأبحاث، تتطور أيضًا منهجيات وتطبيقات كل من التحليل الوظيفي وتقييم السلوك الوظيفي، مما يضمن بقائهما في طليعة استراتيجيات التدخل السلوكي الفعالة.

المصادر:

(0) التعليقات

    لاتوجد تعليقات

اترك تعليقا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك

اشترك الآن في النشرة البريدية لتصلك أحدث المستجدات العلمية وآخر التحديثات التدريبية