في عالم تحليل السلوك التطبيقي (ABA)، هدفنا هو تصميم تدخلات فعّالة تُؤدي إلى تغيير سلوكي هادف. ولكن كيف نتأكد من أن تدخلاتنا تُحدث فرقًا حقيقيًا؟ كيف نتأكد من أن التغييرات السلوكية التي نلاحظها هي في الواقع نتيجة علاجنا، وليست شيئًا آخر؟ هنا يأتي دور التصاميم التجريبية Experimental Design .
تُعدّ التصاميم التجريبية ركيزة البحث والممارسة السلوكية. فهي تُساعدنا على بناء علاقات سببية واضحة، مُوفرةً الأدلة التي نحتاجها للتأكيد بثقة على فعالية تدخلاتنا. في هذه المقالة، سنتعرف على ماهية التصاميم التجريبية، وأهميتها، ونُلقي نظرة فاحصة على التصاميم الأكثر شيوعًا في تحليل السلوك التطبيقي.
بعبارات بسيطة، التصميم التجريبي هو طريقة منظمة لاختبار ما إذا كان لمتغير مستقل independent variable (التدخل) تأثير محدد على متغير تابع dependent variable (السلوك) . من خلال التحكم الدقيق في المتغيرات وقياسها، يمكننا عزل آثار التدخل والتوصل إلى استنتاجات صحيحة حول فعاليته، ونفترض عندئذ وجود علاقة وظيفية بين كلا المتغيرين. والعلاقة الوظيفية التي نتحدث عنها هنا الأساس للقانون العلمي.
في تحليل السلوك، تُعد التصاميم التجريبية بالغة الأهمية لأنها تساعدنا في الإجابة على أسئلة رئيسية مثل:
هل تسبب التدخل في تغيير السلوك؟
هل كان السلوك سيتغير بدون التدخل؟
هل يمكننا تكرار هذه النتائج في بيئات مختلفة أو مع أفراد مختلفين؟
تتيح لنا هذه التصاميم تطبيق الممارسات القائمة على الأدلة بثقة وضمان فعالية تدخلاتنا وأخلاقياتها.
قبل الخوض في أنواع محددة من التصاميم التجريبية، دعونا نتناول سريعًا بعض المكونات الأساسية:
يعتمد محللون السلوك على مجموعة متنوعة من التصاميم التجريبية لاختبار التدخلات. لكل منها نقاط قوة خاصة، ويتناسب مع أنواع مختلفة من السلوكيات والبيئات. دعونا نلقي نظرة فاحصة على التصاميم التجريبية الأكثر شيوعًا المستخدمة في ممارسات تحليل السلوك التطبيقي.
تصميم الحالة الواحدة تُعد تصميمات الحالة Single-Subject Designs الواحد من أكثر التصميمات التجريبية شيوعًا في تحليل السلوك التطبيقي. وكما يوحي اسمها، تُركز هذه التصميمات على الفرد بدلًا من المجموعة، بحيث يتم مقارنة سلوك الفرد مع نفسه في مراحل التجريب المختلفة. ويطلق عليها مقارنة الفرد مع نفسه (Within Subject Design) مما يجعلها مثالية لتقييم تغير السلوك على أساس كل حالة على حده.
وتتميز دراسة الحالة الواحدة بعدة ميزات أهمها:
لايوجد مجموعة للدراسة وإنما يدرس سلوك الفرد في مراحل تجريبية مختلفة يظهر معها أثر المتغير المستقل في المتغير التابع.
القياس المتكرر المستمر لقيم المتغير التابع في الظروف المختلفة.
التركيز على الرسوم البيانية وعرض النتائج من خلالها.
1-التصميم العكسي Reversal Design
ويعرف بتصميم A-B-A-B أو الانسحابي Withdrawal Designs وهو من أكثر التصاميم شيوعًا واستعمالًا، يتم التبديل بين مرحلتي A (ما قبل التدخل) و B (التدخل). من خلال تكرار إدخال التدخل وسحبه، لإثبات وجود علاقة سببية. إذا تغير السلوك فقط خلال المرحلتين B (عند تطبيق التدخل) وعاد إلى مستوياته الأساسية خلال المرحلتين A (عند إلغاء التدخل)، فهذا يُقدم دليلاً قويًا على فعالية التدخل.
علي سبيل المثال:- قياس السلوك في مرحلة الخط القاعدي (A) على سبيل المثال: سلوك الضرب وكان معدل حدوثه مرتفعًا. قمنا بالانتقال إلى مرحلة التدخل العلاجي (B)، بحيث كان الوقت المستقطع (إقصاء) الطفل من بيئة التعزيز كلما قام بسلوك الضرب مع ملاحظة انخفاض السلوك.تم سحب التدخل العلاجي وانتقلنا إلى مرحلة الخط القاعدي الثاني (A) من جديد، مع ملاحظة السلوك دون علاج بأن عاد وارتفع مرة أخرى، فعدنا لتقديم التدخل العلاجي ( B) مرة أخرى، ونلاحظ أن السلوك قد عاد إلى الانخفاض.
غالبًا ما يُستخدم هذا التصميم عندما يُمكن سحب التدخل بأمان دون الإضرار بالعميل. وهذا الأمر يظهر الصدق الداخلي، وسمي بالعكسي لأننا نعكس الوضع مرة أخرى بحيث نعود إلى مرحلة الخط القاعدي والعلاج.
2-تصميم الخطوط القاعدية المتعددة Multiple Baseline Design
في تصميم الخط القاعدي المتعدد، يُطبّق التدخل في أوقات مختلفة عبر بيئات أو سلوكيات أو أفراد متعددين.إذ يشمل على سلسلة متعاقبة من الخطوط القاعدية والعلاج، ففي هذا التصميم يتم دراسة ثلاثة أو أربعة سلوكيات مستهدفة مختلفة لنفس الفرد، أو سلوك واحد أو أكثر لأكثر من فرد واحد، أو سلوك واحد لشخص واحد في ظروف مختلفة.
يُساعد هذا النهج المتدرج على استبعاد التفسيرات البديلة، إذ لا تحدث تغييرات في السلوك إلا بعد تطبيق التدخل.
على سبيل المثال، إذا كنت تختبر تدخلًا للحد من السلوك العدواني لدى ثلاثة أفراد مختلفين، يمكنك تطبيقه على الفرد الأول بعد أسبوع من التجربة الأساسية، وعلى الفرد الثاني بعد أسبوعين، وعلى الثالث بعد ثلاثة أسابيع. إذا لم يحدث تغيير في السلوك إلا بعد تطبيق التدخل على كل شخص، فهذا يدعم فكرة أن التدخل هو الذي تسبب في التغيير.
3-تصميم المعيار المتغير Changing Criterion Design
في هذا التصميم، يُشكّل السلوك تدريجيًا بتغيير معيار الأداء مع مرور الوقت لأنه من الصعب إحداث التغيير بشكل سريع كما هو الحال في معظم السلوكيات التي تنوي تعديلها، ويعمل هذا التصميم من خلال تحديد الخط القاعدي وبعد استقراره نحدد معيارًا نعمل بموجبه إذا استقر سلوك الفرد على المعيار المحدد فإنه يحظى بالتعزيز أو الإجراء العلاجي المخصص لذلك النقصان في السلوك. على سبيل المثال، إذا كنت تحاول زيادة عدد مسائل الرياضيات التي يُنجزها الطالب، فقد تبدأ بمعيار من 5 مسائل، ثم تزيده إلى 10، ثم إلى 15. في كل مرة يُحقق فيها الطالب المعيار، يُرفع الحد الأدنى قليلًا.
يُعد هذا التصميم مفيدًا بشكل خاص عندما يكون هدفك تحسين سلوك معين أو تقليله تدريجيًا مثل: تنقيص الوزن، ويسمح بمراقبة التقدم بشكل مستمر.
4-تصميم العلاجات المتناوبة Alternating Treatments Design
ويطلق عليه البعض تصميم العلاج المتزامن Simultaneous -Tratment Design أو تصميم العناصر المتعددة Multiple Treatment Design
في تصميم العلاجات المتناوبة أو المتعاقبة (ATD)، يتم تطبيق تدخلين أو أكثر بالتناوب بسرعة لمعرفة أيهما له تأثير أكبر على السلوك.من خلال هذا التصميم يستطيع الباحث مقارنة أثر طريقتين أو أكثر من طرق العلاج يقدمان في مرحلة العلاج بحيث تحظى كل طريقة بنفس الظروف المتشابهة.
يُعد هذا التصميم مفيدًا بشكل خاص عند مقارنة فعالية علاجات مختلفة في فترة زمنية قصيرة.
على سبيل المثال، إذا كنت تحاول معرفة أيهما أفضل في تقليل نوبات الغضب هل هو الاقتصاد الرمزي أم نظام التعزيز التفاضلي؟، يمكنك التبديل بين التدخلين في أيام مختلفة ومقارنة النتائج.
تتيح التصاميم التجريبية لمحللي السلوك التحقق علميًا من صحة تدخلاتهم، مما يضمن فعاليتها وأخلاقياتها. لولا هذه التصاميم، لبقينا في حيرة من أمرنا بشأن ما إذا كانت التدخلات التي نطبقها مسؤولة حقًا عن التغيرات السلوكية التي نلاحظها.
بالإضافة إلى ذلك، تساعد هذه التصاميم على حماية العملاء من خلال ضمان استخدام التدخلات المثبتة والقائمة على الأدلة فقط.
كما أنها توفر طريقة واضحة لتكرار التدخلات الناجحة في بيئات مختلفة، مع سلوكيات مختلفة، أو عبر عدد من الأشخاص.
اختيار التصميم التجريبي المناسب
يعتمد اختيار التصميم التجريبي المناسب Experimental Design على طبيعة السلوك المستهدف، واحتياجات العميل، والأهداف المحددة لتدخلك. من خلال فهم هذه التصاميم وتطبيقها، يمكنك اتخاذ قرارات مبنية على البيانات تؤدي إلى تغيير سلوكي فعال ودائم.
تذكر أن الهدف هو إقامة روابط واضحة وقائمة على الأدلة بين تدخلاتك والنتائج السلوكية المرجوة. مع التصميم التجريبي المناسب، ستتوفر لديك الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك - بناء تدخلات أقوى، وتحسين نتائج العميل، وتطوير مجال تحليل السلوك.
لاتوجد تعليقات