خطوات عملية لتعزيز المبادرة الاجتماعية في تحليل السلوك(ABA)

ما هي المبادرة الاجتماعية (Social Initiative)؟

تُعدّ المبادرة الاجتماعية (Social Initiative) أو الاستباق الاجتماعي مهارة حاسمة تمكّن الأفراد من بدء التفاعلات، والمشاركة بفاعلية في الأنشطة الجماعية، والتكيف مع ديناميكيات المواقف الاجتماعية المختلفة، بالنسبة للأفراد الذين يواجهون تحديات في التواصل الاجتماعي، وخاصة المصابين باضطراب طيف التوحد (ASD)، يلعب علاج تحليل السلوك التطبيقي (ABA) دورًا محوريًا في بناء هذه القدرات التفاعلية.

يعتمد علاج ABA على نهج منظم ومُثبت علميًا لتبسيط السلوكيات الاجتماعية المعقدة إلى خطوات قابلة للتعلم والإتقان، مما يمنح الأفراد الثقة والأدوات اللازمة لأخذ زمام المبادرة اجتماعيًا.

سنقدم لك في هذا المقال الشرح الوافي، سنوضح الاستراتيجيات الدقيقة لعلاج ABA، ونقدم أمثلة من المدرسة والمنزل، ونزودك بالخطوات العملية وأحدث الأدوات التكنولوجية لتعزيز المبادرة الاجتماعية لطفلك بنجاح. لنبدأ رحلة بناء الاستقلالية الاجتماعية الآن.

1. المبادرة التلقائية في المحادثات والتفاعلات اليومية (ABA) 

يركز علاج ABA على تعليم المهارات اللازمة لـبدء المحادثات والمحافظة على تدفقها، بدلاً من مجرد الاستجابة للآخرين، وهو ما يُعرف بـالمبادرة التلقائية، وذلك من خلال:

  • تبسيط المهارات إلى خطوات (Task Analysis):

يتم تقسيم مهارة المبادرة الاجتماعية إلى مهام صغيرة قابلة للتحقيق. على سبيل المثال: يتمثل هدف المبادرة في طرح سؤال مفتوح، ويتم ذلك عبر خطوات تشمل أولاً، التواصل البصري، ثم التحية، ثم طرح السؤال.

 مثال عملي: قد يتعلم الطفل أولاً كيفية التواصل البصري وقول "مرحبًا" لشخص بالغ، ثم ينتقل إلى استخدام عبارة "هل يمكنني اللعب؟" مع زميل.

  • النمذجة والتعزيز:

يقوم المعالجون بـنمذجة السلوكيات التفاعلية المطلوبة، مثل: الاستماع بانتباه وأخذ الأدوار، من خلال لعب الأدوار يتدرب الطفل على تقليد ذلك. وعندما يطبق الطفل السلوك، يُعزز بثناء محدد؛ مثال: إذا سأل سؤالاً غير مطلوب منه في محادثة، يُثنى عليه فورًا: "لقد كان سؤالك رائعًا! أحببت مبادرتك بالتساؤل عن لعبة صديقك."

  • المرونة المعرفية:

يُستخدم التدريب على الاستجابة المحورية (PRT) لزيادة الدافعية والاستجابة الاجتماعية، مما يدعم المرونة.

2. إثراء السيناريوهات: حالات متنوعة للمبادرة الاجتماعية 

تتجاوز المبادرة الاجتماعية حدود الفصل الدراسي لتشمل مواقف الحياة اليومية، والمواقف الصعبة، والتفاعلات الرقمية، والبيئات غير المألوفة، ومنها:

  • المبادرة في الحياة اليومية (المدرسة):

التحدي النموذجي هو الوقوف وحيدًا خلال استراحة المدرسة. يتمثل مثال المبادرة الناجحة في الانضمام إلى مجموعة لعب من خلال المبادرة بسؤال الزملاء: "هل يمكنني المساعدة في بناء البرج؟" (وهذا يختلف عن أن يُسأل: "هل تريد اللعب؟"، فيجيب: "نعم، أريد" وهي استجابة).

  • المبادرة في الأنشطة الرياضية/الفنية:

عند المشاركة في لعبة كرة قدم، يتم التدريب على المبادرة الاجتماعية بتقديم اقتراح للفريق: "لنمشِ في هذا الاتجاه لنسجل هدفاً!" أو في حصة الرسم بمبادرة طلب مشاركة الألوان.

  • المبادرة مع بالغين غير مألوفين:

التحدي هو التفاعل مع ضيوف غير مألوفين في المنزل أو موظف في متجر، يتمثل مثال المبادرة في سؤال الضيف: "هل تريد كوبًا من العصير؟"، أو سؤال موظف المتجر: "أين أجد الخبز؟".

  • المبادرة في المواقف الصعبة:

عند عدم فهم واجب مدرسي معقد، يتمثل مثال المبادرة الناجحة في طلب المساعدة بطريقة واضحة من المعلم: "أنا لا أفهم الخطوة الثالثة، هل يمكنك توضيح مثال آخر من فضلك؟"

  • المبادرة في البيئات الرقمية:

عند الانضمام إلى لعبة جماعية أو محادثة عبر الإنترنت، يتم التدريب على بدء رسالة إيجابية لزميل في اللعبة: "لعبك جيد! هل تريد التعاون معي في المستوى القادم؟"

3. دور البيئة الداعمة: الأسرة، المدارس، والمجتمع 

يضمن تعميم المهارات في مختلف البيئات استدامة المبادرة الاجتماعية، وهو مفتاح لتمكين الأفراد وتحقيق الاستقلالية الاجتماعية، كما الآتي:

  • دور الأسرة والمدرسة:

يعتبر التعاون مع المعلمين والزملاء في المدارس أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز السلوكيات الاجتماعية الإيجابية. يُساعد المعلمون والزملاء على تعزيز المهارات ونمذجتها، مما يُهيئ مساحات شاملة تُمكّن الأطفال من ممارسة المبادرة الاجتماعية وتطويرها بشكل طبيعي. الأسرة بدورها تضمن الاتساق في المنزل، مثل: طلب الطفل وجبته بنفسه في المطعم.

كيف يدعم ABA الإندماج؟ 

يعزز تحليل السلوك التطبيقي (ABA) الإندماج من خلال تعليم الأطفال الإشارات الاجتماعية، وتبادل الأدوار، واستراتيجيات التفاعل المناسبة، مما يُمكّنهم من المشاركة الفعّالة في مختلف البيئات الاجتماعية. تُوفر البيئات الاجتماعية المنظمة، المُسترشدة بمبادئ ABA، توقعات واضحة، مما يُشعر الأطفال بالراحة والثقة أثناء التفاعل مع أقرانهم. كما يأتي:

  • مجموعات المهارات والقصص الشخصية:

تُتيح مجموعات المهارات الاجتماعية للأطفال منصةً داعمةً لممارسة السلوكيات مع أقرانهم تحت إشرافٍ مهني. وتُستخدم القصص التعليمية المُخصصة، مثل: القصص الاجتماعية، لشرح المعايير والتوقعات الاجتماعية، مما يُساعد الأطفال على فهم المواقف والتعامل معها بسهولةٍ أكبر.

  • بناء الثقة في التفاعلات العفوية:

من خلال تقسيم المهارات الاجتماعية إلى خطوات عملية وتشجيع التعميم في مختلف البيئات، يُمكّن تحليل السلوك التطبيقي الأطفال من تطبيق السلوكيات المكتسبة في تفاعلات واقعية عفوية. كما أن التعزيز الإيجابي والثناء على السلوكيات يعززان الثقة بالنفس، ويشجعان الأطفال على بدء التفاعل الاجتماعي والحفاظ عليه باستقلالية.

4. التقييم والتكنولوجيا في دعم المبادرة 

لضمان فاعلية التدخل، يجب تقييم المبادرة الاجتماعية بشكل موضوعي وتضمينها في خطط فردية، والاستعانة بالأدوات التكنولوجية, منها:

  • التقييم والخطط الفردية:

يتم قياس المبادرة باستخدام مقاييس محددة، ويتم تضمين أهدافها في برامج التقييم السلوكي وخطط التعليم الفردي (IEP) في المدارس. يتم تقييم المبادرة عبر جمع البيانات حول تكرار المبادرات العفوية ونوعيتها (مثل: عدد المبادرات اللفظية في الساعة).

  • الأدوات التكنولوجية الداعمة:

يمكن الاستعانة بتطبيقات التواصل المعزز والبديل (AAC) لتمكين الأفراد غير الناطقين من المبادرة، بالإضافة إلى تطبيقات المتابعة الرقمية التي تساعد المعالجين والأهل على تسجيل وتتبع تطور المبادرة الاجتماعية تلقائيًا خارج جلسات العلاج.

5. خطوات عملية للأهل والمعلمين لتعزيز المبادرة 

لتعزيز مهارات المبادرة التلقائية في المنزل والمدرسة، يجب اتباع الخطوات التطبيقية التالية:

  • حدد هدفًا واضحًا: اختر مهارة مبادرة واحدة للتركيز عليها (مثل: طلب اللعب، أو طلب المساعدة).

  • استخدم "الوقف المؤقت الاستراتيجي": في موقف يتطلب المبادرة، انتظر لثوانٍ معدودة قبل تقديم المساعدة أو التوجيه؛ هذا يمنح الطفل فرصة للبدء بنفسه.
  • عزز المحاولات وليس النجاح الكامل فقط: قدم تعزيزًا إيجابيًا حتى لو كانت المبادرة غير كاملة (مثل: "أحببت أنك نظرت إلى صديقك قبل أن تتحدث").
  • استخدم "القصص الاجتماعية" للتحضير: اشرح سيناريو مبادرة جديد في قصة (مثل: قصة عن مبادرة الطفل لمشاركة لعبة).
  • وفر الفرص: رتب مواقف طبيعية تتطلب المبادرة (مثل: وضع اللعبة المفضلة في مكان عالٍ قليلاً ليضطر الطفل لطلب المساعدة).

 الأسئلة الشائعة حول المبادرة الاجتماعية وعلاج ABA 

كيف أعرف أن ابني بدأ يطور المبادرة؟

 ستلاحظ أنه يبدأ المحادثات أو الأنشطة تلقائيًا، يشارك اهتماماته دون سؤال، ويطلب المساعدة أو الانضمام بنشاط.

ما هي أفضل الأدوات الرقمية لمتابعة تطور المبادرة الاجتماعية؟

 يمكن استخدام تطبيقات تسجيل البيانات السلوكية التي تسمح للمعالجين والأهل بتسجيل تكرار المبادرات تلقائياً، إلى جانب تطبيقات التواصل المعزز للأفراد الذين يحتاجون إلى دعم لفظي.

كيف يمكن تقييم المبادرة الاجتماعية بشكل موضوعي؟

 يتم ذلك عبر تسجيل بيانات تكرار ومدة المبادرات التلقائية في سياقات مختلفة (مثل: عدد المبادرات اللفظية خلال 30 دقيقة من اللعب الحر)، ومقارنة هذه البيانات بأهداف خطة IEP.

هل ABA يركز على المبادرة أم الاستجابة؟

 يركز ABA على كليهما، لكنه يعطي أولوية للمبادرة بعد إتقان المهارات الاستجابية الأساسية، لأن المبادرة هي مفتاح الاستقلالية الاجتماعية.

ماذا أفعل إذا رفض الطفل المبادرة؟

 لا تجبره. استخدم التعزيز التفاضلي لمكافأة أي محاولة تقريبية للمبادرة، وقلل الدعم/ المساعدة تدريجياً.

كم يستغرق الأمر لتطوير هذه المهارة؟

 يختلف ذلك حسب الفرد وشدة التحدي، لكن التدخل المكثف والمتسق (في المنزل والمدرسة) ضروري لتعميم المهارة.

الخلاصة

يُمثل علاج تحليل السلوك التطبيقي (ABA) الطريق نحو الاستقلالية الاجتماعية المستدامة عبر تعزيز الاستباق/ المبادرة الاجتماعية. عبر هذه الاستراتيجيات الممنهجة والتعاون بين الأخصائيين والأسرة والمدرسة، ننتقل بالطفل من مجرد الاستجابة إلى أن يصبح مشاركاً نشطًا ومُبادرًا.

إن قدرة طفلك على المبادرة التلقائية هي نافذته للتواصل مع العالم وبناء علاقات ذات مغزى.

 ابدأ اليوم بتطبيق هذه الخطوات، واستشر المختصين لدمج الأدوات التكنولوجية في خطة طفلك، وسترى كيف تتحول التفاعلات العفوية إلى مصدر دائم للثقة والنمو.
 

المصادر:

  • Behavior Analyst Certification Board (BACB): Standards for Applied Behavior Analysis Practice.
  • Koegel, R. L., & Koegel, L. K. (2019): Pivotal Response Treatment (PRT) research on motivation and social initiations.
  • Gray, C. A. (2015): The New Social Story Book. (Related to Social Stories and preparatory strategies).

(0) التعليقات

    لاتوجد تعليقات

اترك تعليقا

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك

اشترك الآن في النشرة البريدية لتصلك أحدث المستجدات العلمية وآخر التحديثات التدريبية