تحليل السلوك التطبيقي (ABA) منهجية علمية ومثبتة فاعليتها تُستخدم لفهم السلوك البشري وتحسينه. يكمن أحد الأهداف الأساسية لبرامج ABA في مساعدة الأفراد على تعلّم مهارات جديدة، والأهم من ذلك، تعميم هذه المهارات. ويشير التعميم (Generalization) إلى قدرة الفرد على استخدام المهارة المكتسبة في بيئات مختلفة، ومع أشخاص مختلفين، وباستخدام مواد أو مثيرات غير تلك التي تم استخدامها أثناء التدريب الأولي.
لتحقيق هذا التعميم، تبرز إستراتيجية التدريب متعدد الأمثلة (Multiple Exemplar Training - MET)، ويطلق عليها أيضًا تدريب متعدد النماذج أو تنويع الأمثلة، كأحد التدخلات الأساسية والمثبتة علميًا.
التدريب متعدد الأمثلة هو إستراتيجية تدريبية تتضمن التعليم المنهجي لمهارة أو مفهوم معين من خلال مجموعة متنوعة من الأمثلة (Exemplars) التي تتضمن تباينات واختلافات في المثيرات (Stimuli) والاستجابات (Responses)، مع الاحتفاظ بالعناصر الوظيفية المشتركة.
بشكل أساسي، يقوم التدريب متعدد الأمثلة على فكرة أن تكرار التعلّم لنفس المهارة عبر مجموعة واسعة من المواقف والمواد والأشخاص يمنع الفرد من ربط المهارة بمُثير أو بيئة محددة، مما يعزز قدرته على تطبيقها بمرونة في سياقات جديدة وغير مدربة.
يتضمن التطبيق العملي للـ MET الخطوات التالية:
تحديد المهارة المستهدفة: تحديد السلوك أو المفهوم المراد تعليمه، على سبيل المثال: تسمية الأشياء، أو الاستجابة لتعليمات، أو مهارة اجتماعية معينة.
تصميم الأمثلة المتعددة: اختيار مجموعة واسعة من الأمثلة التي تمثل المهارة المستهدفة، مع تغيير خصائصها غير الجوهرية. يجب أن تشمل الأمثلة تباينات في:
الأشخاص: التدريب مع معالجين أو مدربين مختلفين.
المواد: استخدام أنواع وألوان وأحجام مختلفة من الأدوات أو الأشياء المتعلقة بالمهارة (على سبيل المثال: عند تعليم مفهوم "كرة"، يتم استخدام كرات القدم، وكرات التنس، وكرات السلة).
البيئة: التدريب في غرف مختلفة، أو في المنزل، أو في المدرسة، أو في الأماكن العامة.
المثيرات اللفظية: استخدام صياغات مختلفة للتعليمات (على سبيل المثال:أعطني الكرة، أين الكرة؟، اختر الكرة).
التدريب المنهجي: يتم تقديم هذه الأمثلة بشكل متسلسل ومُنظّم خلال جلسات التدريب.
قياس التعميم: يجب تضمين قياسات للتعميم على أمثلة لم يتم التدريب عليها مُسبقًا بشكل دوري لضمان أن المهارة أصبحت مرنة وقابلة للتطبيق الواسع.

لا يقتصر تطبيق استراتيجيات التعميم القائمة على التدريب متعدد الأمثلة على بيئة العيادة، بل يجب تعميمه ليشمل مختلف بيئات حياة الفرد:
مع الأطفال في المنزل: يمكن لأولياء الأمور تطبيق MET لتعليم مهارة غسل اليدين، باستخدام أحواض مختلفة (المطبخ، الحمام)، وأنواع صابون مختلفة، وفي أوقات مختلفة من اليوم.
مع الطلاب في المدارس: يستخدم لضمان تطبيق الطلاب لمهارة أكاديمية، مثل: حل مسائل الطرح، على أنواع مختلفة من الأوراق (مطبوعة، مكتوبة بخط اليد)، ومع مدرسين مختلفين، وفي غرف صفية مختلفة. هذا جزء أساسي من برامج الدمج.
في مراكز التأهيل: يُطبَّق MET لتعليم مهارات اجتماعية وظيفية، مثل: طلب المساعدة، مع معالجين مختلفين (الأشخاص)، في صالة الألعاب أو غرفة الانتظار (البيئة)، وباستخدام عبارات طلب مساعدة مختلفة (المثيرات اللفظية).
في التدريب المهني: لتعليم الأفراد ذوي الإعاقات الذهنية (الإعاقات الفكرية) مهارات العمل، مثل فرز الملفات، من خلال استخدام أنواع مختلفة من الملفات (المواد)، ومع مشرفين مختلفين (الأشخاص)، وداخل أقسام مختلفة من مركز التأهيل المهني
لتعزيز فعالية التدريب متعدد النماذج، بدأت تظهر توجهات نحو دمج التكنولوجيا:
تُستخدم التطبيقات الإلكترونية ومنصات التدريب الرقمية الآن لدعم تنفيذ MET، خاصة في تدريب المهارات المعرفية والتمييزية. تسمح هذه المنصات الرقمية بإنشاء عدد لا محدود من الأمثلة المتنوعة بشكل سريع، مع تباينات في الخلفيات والألوان والتخطيطات. كما أنها تسهل على الأخصائيين جمع البيانات الفورية حول أداء الفرد في ظروف التعميم السلوكي ورصد مدى نجاح تنويع الأمثلة عبر الأجهزة المختلفة.
في دراسة حالة حديثة، تم تطبيق التدريب متعدد الأمثلة لتعليم الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد التعرف على الحروف الكبيرة، باستخدام منصة تدريب تكيفية.
المهارة المستهدفة: مطابقة الحرف الأبجدي الكبير (مثلاً: حرف "أ").
التطبيق الرقمي لـ MET: بدلاً من استخدام ثلاث بطاقات ورقية لحرف "أ"، قدمت المنصة الرقمية حرف "أ" بعشرة ألوان مختلفة، بخمسة خطوط مختلفة، وخلفيات مختلفة (خلفية سادة، خلفية بنقاط، خلفية مخططة). كما تم تغيير موضع الحرف على الشاشة بشكل عشوائي.
قياس التعميم: تم اختبار قدرة الطلاب على التعرف على الحرف "أ" بخط ولون جديدين لم يظهروا إطلاقاً في التدريب الرقمي.
النتيجة: أظهرت النتائج أن تطبيق MET رقميًا أدى إلى تعميم سريع ومستقل لمهارة التعرف على الحروف بنسبة نجاح بلغت 95% في الجلسات غير المدربة، وهو ما يدعم فاعلية دمج التكنولوجيا لزيادة تنويع الأمثلة بشكل غير محدود.
أكدت دراسات حديثة (مثل الدراسات المنشورة في Journal of Applied Behavior Analysis) أن التدريب باستخدام النماذج المتعددة أدى إلى معدلات تعميم أسرع وأكثر ثباتًا للمهارات اللغوية والتمييزية مقارنة بالتدريب على مثال واحد أو أمثلة قليلة. تشير بعض الإحصائيات إلى أن استخدام MET يمكن أن يقلل من الوقت اللازم لتحقيق التعميم بنسبة تصل إلى 30-40% في برامج التدخل المكثف للأطفال المصابين بالتوحد، مما يدعم بقوة كفاءة هذه الإستراتيجية.
لضمان نجاح التدريب متعدد النماذج، يجب إدراجها ضمن خطط التدخل الفردية (Individualized Intervention Plans - IIPs). تتطلب هذه الخطط استخدام أدوات التقييم المناسبة لقياس التعميم السلوكي:
بروتوكولات تقييم التعميم: تتضمن عادةً إجراء اختبارات متكررة على "مجموعة غير مدربة" من الأمثلة؛ لضمان أن المهارة لم تعد مرتبطة فقط بظروف التدريب الأصلية.
تسجيل البيانات: يتم استخدام خدمات التدريب لجمع بيانات حول الأداء في البيئات الطبيعية (المدرسة، المنزل) دون تذكير أو مساعدة إضافية.
تعديل خطة MET: يتم تعديل خطة تنويع الأمثلة باستمرار بناءً على البيانات المُجمعة، لزيادة التباين في الأمثلة حتى يتحقق التعميم التلقائي.
التدريب متعدد الأمثلة (MET): يركز على التدريب المباشر على تنويع الأمثلة والمثيرات داخل بيئة التدريب، مما يؤدي إلى تعميم تلقائي في البيئات الجديدة.
التدريب على التعميم الطبيعي: يركز على إجراء التدريب في البيئة الطبيعية للفرد قدر الإمكان ومزج ظروف التدريب مع الظروف التي تحدث بشكل طبيعي. MET هو أسلوب أكثر منهجية للتعميم.
جدول مقارنة مختصر بين MET وطرق التعميم التقليدية
|
المعيار |
التدريب متعدد الأمثلة (MET) |
التدريب على مثال واحد (تقليدي) |
|
الهدف الأساسي |
التعميم التلقائي والمرونة |
اكتساب المهارة فقط |
|
تنوع الأمثلة |
عالي جدًا وممنهج |
منخفض أو غير موجود |
|
معدل التعميم |
أسرع وأكثر ثباتًا (مدعوم إحصائيًا) |
أبطأ ويتطلب تدريبًا إضافيًا للتعميم |
|
مرونة السلوك |
عالية |
منخفضة |
قد يكون التدريب متعدد الأمثلة أقل فاعلية عندما تكون:
الأمثلة غير متنوعة بشكل كافٍ: إذا لم يتضمن التدريب تباينات كافية في الخصائص غير الجوهرية، فسيربط الفرد المهارة بمجموعة محدودة من الظروف.
المهارة تتطلب دقة عالية: في بعض المهارات التي تتطلب استجابة دقيقة ومحددة لمثير واحد فقط.
غياب الدعم: عندما يتم إهمال تطبيق المهارة خارج جلسات التدريب الرسمية، خاصة من قبل أولياء الأمور وموظفي مراكز التأهيل الآخرين.
يُقيّم نجاح التدريب متعدد النماذج عندما يتمكن الفرد من إظهار المهارة أو المفهوم بشكل مستقل وصحيح بنسبة عالية (عادةً 80% أو أكثر) على أمثلة لم يتم تدريبه عليها مسبقًا وفي بيئة لم يتم التدريب فيها.
تؤكد الأبحاث في تحليل السلوك التطبيقي أن التدريب متعدد الأمثلة هو أفضل طريقة مثبتة لتعزيز التعميم السلوكي في برامج التدخل السلوكي. وتتمثل أبرز فوائده في:
تعزيز التعميم التلقائي: بدلًا من تدريب كل مثال على حدة، يُدرّب MET الفرد على قاعدة أو مفهوم يُمكّنه من الاستجابة بشكل صحيح للمثيرات الجديدة المشابهة.
تقليل الحاجة للتدريب المباشر: يقلل من الحاجة إلى قضاء وقت طويل في التدريب على كل موقف أو متغير محتمل في البيئة الطبيعية.
زيادة المرونة السلوكية: يطور قدرة الفرد على التكيف مع التغيرات في البيئة، وهي مهارة أساسية للأفراد الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد (ASD) أو الإعاقات النمائية الأخرى.
يُعدّ التدريب متعدد الأمثلة وركيزة أساسية في تصميم برامج تحليل السلوك التطبيقي الفعالة التي تهدف إلى تحسين جودة حياة الأفراد من خلال بناء مهارات وظيفية قابلة للتطبيق عبر مجموعة متنوعة من المواقف الحياتية.
المصادر:
لاتوجد تعليقات