في رحلة تعليم وتنمية مهارات الأطفال، وخاصة ذوي اضطراب طيف التوحد (ASD) والاضطرابات التطورية الأخرى، تظل التحديات الأكبر هي تعميم المهارات المكتسبة في البيئة العلاجية إلى سياقات الحياة الواقعية. هنا تبرز قوة وفعالية التعليم العرضي (أو التعلم العفوي)، وهو نهج طبيعي جذري ضمن تحليل السلوك التطبيقي (ABA). بدلاً من الجلسات المنظمة، يستغل التدريس في المواقف الطبيعية الاهتمامات والرغبات الآنية للطفل لخلق فرص تعليمية ذات دافعية عالية. هذا المقال هو دليل علمي شامل يغطي الجوانب النظرية والتطبيقية، والتحديات، وأفضل الممارسات لتعزيز التغطية اللغوية والتواصلية عبر التدريس العرضي.
التعليم العرضي (Incidental Teaching) هو استراتيجية تعليمية طبيعية يتم فيها استغلال مبادرة الطفل ورغبته الفورية في الوصول إلى شيء ما كفرصة لتعليمه مهارة جديدة، غالباً ما تكون مهارة تواصلية (مثل الطلب أو التسمية).
نحن نعتبر اللحظة التي يبدأ فيها الطفل التفاعل لحظة عفوية (تلقائية) ونابعة من دافعه الذاتي، لكن التدخل الذي يمارسه المعالج/الوالدين لتحويل هذه اللحظة إلى فرصة لتعليم اللغة والتواصل هو تدخل مقصود ومنهجي ومخطط له بدقة.
تعزيز التواصل الوظيفي: تعليم الطفل كيفية استخدام اللغة (الطلب، السؤال) للحصول على ما يريد، مما يقلل من التحديات السلوكية.
التعميم الطبيعي للمهارات: لأن التعلم يحدث في سياقات مختلفة (المنزل، المتجر، الحديقة)، يتم تعميم المهارات تلقائيًا.
زيادة المبادرة (Initiation): تشجيع الطفل على بدء التفاعل والتعبير عن احتياجاته بدلاً من الاقتصار على الاستجابة لتعليمات المعالج.
لتحقيق أقصى استفادة من التعلم العفوي، يجب اتباع بروتوكول تطبيقي واضح وتقييم فعالية الاستراتيجية بشكل مستمر:
|
الخطوة |
الوصف |
مثال |
|
1. إعداد البيئة |
ترتيب المحيط لجعل العناصر المفضلة للطفل مرئية ولكن تتطلب تفاعلًا (مثلًا: وضع العصير في كوب مغلق يصعب فتحه). |
طفل يمد يده نحو وعاء حلوى مفضل موضوع على رف عالٍ قليلًا أو داخل علبة شفافة محكمة الإغلاق. |
|
2. مبادرة الطفل |
انتظار إشارة من الطفل تُظهر رغبته في الشيء (إشارة، تمتمة، توجه نحو الهدف). |
الطفل يشير إلى الكوب. |
|
3. طلب الاستجابة |
يقوم المعالج بطرح سؤال مفتوح ("ماذا تريد؟") أو تقديم مساعدة (Prompt) مناسب للمستوى اللغوي للطفل. |
المعالج: "قل: عصير بارد." |
|
4. التعزيز الطبيعي |
فور تقديم الاستجابة المطلوبة، يُعطى الطفل الشيء الذي طلبه مباشرة (التعزيز الطبيعي). |
المعالج يفتح الكوب ويُعطيه للطفل. |
|
5. توسيع الاستجابة |
تكرار الاستجابة بجملة أطول لتشجيع النمو اللغوي المستقبلي. |
المعالج: "نعم، هذا عصير تفاح لذيذ. |
يجب استخدام أدوات جمع البيانات لتتبع التقدم بدقة، تشمل المعايير:
معدل المبادرات (Initiation Rate): كم مرة بدأ الطفل التفاعل/الطلب بنفسه خلال فترة زمنية محددة.
نوعية الاستجابة: هل انتقل الطفل من الإشارة إلى الكلمات المفردة، ثم إلى العبارات والجمل؟
مستوى المساعدة (Prompt Level): هل انخفضت الحاجة إلى المساعدة (الإخفاء - Fading) مع مرور الوقت؟
التعميم: هل يستخدم الطفل المهارة مع أشخاص مختلفين وفي بيئات مختلفة؟
لضمان تعميم واسع، يجب أن يكون أولياء الأمور جزءًا أساسيًا من عملية التدريس في المواقف الطبيعية:
تُعد هذه البرامج حجر الزاوية، حيث تُعلم الوالدين كيفية:
خلق الفرص (Environmental Arrangement): إعداد البيئة اليومية لاستدرار الطلب.
الاستجابة الفعالة: تطبيق تسلسل المساعدة (Prompting Sequence) وتقديم التعزيز الطبيعي بشكل فوري ودقيق.
جمع البيانات البسيطة: استخدام أدوات جمع البيانات (مثل: تطبيقات الهاتف، أو أوراق تتبع سريعة)؛ لتسجيل نجاحات الطلب.
يمكن للتكنولوجيا أن تدعم التعلم العرضي من خلال:
أجهزة التواصل المعزز والبديل (AAC): إذا أشار الطفل إلى صورة على جهازه اللوحي لطلب "لعبة"، يمكن للمعالج استخدام هذه اللحظة العفوية لنمذجة جملة أكثر تعقيدًا على الجهاز.
التطبيقات لتتبع البيانات: استخدام تطبيقات لجمع بيانات سهلة ومباشرة حول المبادرات والاستجابات الصحيحة في بيئة المنزل.
على الرغم من فعالية التعليم العرضي، إلا أن هناك تحديات وأخطاء شائعة يجب الانتباه إليها:
|
التحدي/الخطأ الشائع |
الوصف والحل المقترح |
|
عدم انتظار المبادرة |
المعالج يبدأ الجلسة دون أن يظهر الطفل الرغبة أولاً. الحل: يجب الانتظار بصبر حتى يُظهر الطفل الاهتمام أو الحاجة لضمان الدافعية. |
|
التعزيز غير الطبيعي |
تقديم تعزيز لا يرتبط بالطلب (مثلاً: إعطاء قطعة حلوى بعد طلب اللعبة). الحل: يجب أن يكون التعزيز هو الشيء الذي طُلب (الحصول على اللعبة نفسها). |
|
المساعدة الإضافية |
تقديم الكثير من المساعدة اللفظية أو الجسدية في البداية. الحل: تطبيق مبدأ إخفاء المساعدة (Fading)، والبدء بأدنى مستوى من الدافع مطلوب. |
|
الفروق العمرية |
التدريس العرضي فعال في جميع الأعمار، لكن مع الفئات العمرية الأكبر، يجب أن تكون الأهداف والاهتمامات أكثر تعقيداً (مثل طلب المساعدة في مهمة مدرسية أو بدء محادثة اجتماعية). |
للتأكيد على فعالية التدريس في المواقف الطبيعية، إليك نموذج لحالة عملية وبعض الشهادات:
التحدي: أحمد (5 سنوات) يستخدم الإشارة والبكاء لطلب الطعام أو الألعاب. معدل الطلب اللفظي كان صفرًا.
التطبيق (التدريس العرضي): بدأت الأم بوضع الأطعمة المفضلة في عبوات مغلقة شفافة، وعندما يشير أحمد، تُقدم له نموذجاً للطلب ("أريد البسكويت") مع دافع صوتي بسيط.
النتيجة القابلة للقياس: خلال 6 أسابيع، ارتفع متوسط معدل الطلبات اللفظية (mand) إلى 15 طلبًا يوميًا، وانخفض البكاء المرتبط بالطلب بنسبة 70%.
شهادة أم: "أجمل ما في التعلم العفوي أنه حوّل المنزل إلى فصل دراسي ممتع، لم أعد أشعر أنني 'أُدرّس' ابني، بل أنا 'أتواصل' معه. عندما يطلب عصيره بجملة كاملة، تكون هذه مكافأة لنا جميعاً."
الأسئلة الشائعة حول التدريس العرضي (FAQ)
التدريس العرضي يبدأه الطفل ويحدث في بيئة طبيعية مع تعزيز طبيعي (الحصول على الشيء المطلوب). أما التدريس المنفصل (DTT)، فيبدأه المعالج، ويحدث في بيئة منظمة، وغالباً ما يكون التعزيز رمزيًا أو مخصصًا، كلاهما ضروريان، حيث يركز DTT على اكتساب المهارات، والتدريس العرضي على تعميمها ووظيفتها.
نعم، هو نهج فعال ومناسب لمعظم الأطفال في طيف التوحد بجميع مستوياتهم. ومع ذلك، قد يحتاج الأطفال ذوو المهارات المنخفضة جداً إلى بناء مهارات الانتباه والتقليد أولاً باستخدام أساليب منظمة، ثم الانتقال لدمج التعليم العفوي لتعميم تلك المهارات.
المبادرة (Initiation) هي حجر الزاوية، إذا لم يبدأ الطفل بالطلب، فليس هناك دافع قوي للتعلم. إن انتظار مبادرة الطفل يضمن أن السلوك التعليمي يتم تعزيزه بالدافع الذاتي للطفل، مما يجعله أكثر عرضة للتكرار والتعميم.
المصطلح البديل الأكثر شيوعاً والأكثر دقة هو التعلم العفوي، بالإضافة إلى التدريس في المواقف الطبيعية (Naturalistic Teaching) الذي يعتبر مظلة أوسع تشمل هذا النهج.
النتائج تختلف حسب حالة الطفل، ولكن أول ما يلاحظه الآباء هو زيادة في عدد الطلبات اللفظية (Mands) خلال أسابيع قليلة من التطبيق المنهجي. الاستمرارية في استخدام التدريس في المواقف الطبيعية هي المفتاح.
يتم دمج التدريس العرضي (IT) بشكل مثالي مع DTT (لتعميم ما تم تعلمه في الجلسات المنظمة)، ومع PRT (التدريب على الاستجابة المحورية)، حيث تتشارك جميعها في استخدام البيئة الطبيعية والتعزيز الطبيعي.
التدريس العرضي هو أكثر من مجرد تقنية؛ إنه فلسفة تعليمية تحترم مبادرة الطفل وتجعل التعلم جزءاً لا يتجزأ من الحياة. يثبت هذا النهج أن أفضل فصول الدراسة هي البيئة الطبيعية، وأن أفضل معلم هو دافعية الطفل نفسه.
إذا كنت معالجاً أو ولي أمر لطفل لديه طيف التوحد أو أي من الإعاقات التطورية الأحرى، ابدأ اليوم بتحويل محيطك إلى بيئة غنية بالفرص التعليمية. ابحث عن اللحظات التي يُظهر فيها طفلك رغبة، واستخدمها لتعزيز مهارات التواصل لديه. للبدء بتطبيق ممنهج وفعال، نوصيك بالتحدث مع مختصي تحليل السلوك التطبيقي (ABA) لدمج التدريس العرضي ضمن خطة العلاج الفردية لطفلك، لضمان تحقيق أقصى قدر من التعميم والنمو اللغوي.
Koegel, R. L., & Koegel, L. K. (1989). Incidental teaching of communication skills in young children with autism. Journal of Applied Behavior Analysis.
لاتوجد تعليقات